أسباب التوفيق
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[09 – Jan-2008, مساء 09:14]ـ
التقوى
التقوى وأنها البداية الصحيحة في الطلب
أولاً: التقوى وأنها البداية الصحيحة في الطلب: لقوله تعالى: {. . . وَََاتَّقُواْ اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
فقد اشتملت الآية على أمر ووعد؛ أمر بالتقوى، ووعد بالعلم الذي هو معقد كل عز، ومجمع كل فضيلة.
ويعلمكم اللَّه: أي: كل خير يحبه، ويرضاه.
فلكي تبدأ البداية الصحيحة، ويقال لك في الملإ الأعلى: يا باغي الخير أقبل (!) وتضع لك الملائكة أجنحتها، رضاً بما تصنع، ويستقيم لك الطريق؛ فلا ترى فيه عوجاً، ولا أمتاً، وتُكفى العثار وتكفى أن ترهق صعوداً؛ فلا عقبات، ولا عثرات؛ عليك أن تلبس نعال التقوى؛ فهي على صعاب الطريق أقوى (!) ومادتها اجتناب المحارم (!) وإياك ونعال المعاصي. . فلا يقال لك: اخلع نعليك (!) أو ارجع على عقبيك (!) أو ليس هذا بعشك فادرجي. . (!) فليس في هذا الطريق مع غياب التقوى، ووجود المعاصي محابة، فانظر نعليك، قبل أن تُرَدَّ على عقبيك، وتُذَادَ عن حياض العلم ذوداً كغرائب الإبل.
فلن يستقيم لك السير في طريق العلم كما تريد ما لم تستقم على مراد الله، فلا للذنوب والمعاصي والآثام؛ فإذا زلت بك القدم، وألممت بذنب؛ فقم واستغفر؛ وإياك أن تقيم عليه صريعاً، ولا تجعلها الزلة التي تودي بك.
* التقوى تحفظ القلوب من مفسداتها:
والتقوى حافظة للقلوب من مفسداتها، ومما يكدر صفوها، ويذهب طراوتها، وكفى بها أنها تعصم صاحبها الذنوب؛ فإن الذنوب تميت القلوب، وحياة القلوب ترك الذنوب؛ كما قال ابن المبارك عليه رحمة اللَّه:
رأيت الذنوب؛ تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب؛ حياة القلوب
وخير لنفسك؛ عصيانها
فقلب رانت عليه الذنوب بما كسب صاحبه، وأحاطته الشهوات، وجاءه موجها من كل مكان؛ فغمرته، وعن ربه حجبته؛ أنى له العلم (؟!).
* إشارة لطيفة لأبي حامد الغزالي لمن أراد المعرفة من كتابه: ((الإحياء)):
قال أبو حامد رحمه اللَّه تعالى: ((أنوار العلوم لم تحجب من القلوب لبخل، ومنع من جهة المنعم تعالى عن ذلك، بل لخبث وكدورة، وشغل من جهة القلوب؛ فإنها كالأواني مادامت مملؤة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلب المشغول بغير اللَّه لا تدخله المعرفة بجلاله)).
قلت: وهذا كلام نفيس ينبغي لطالب العلم أن يهتم له؛ فإنه يربو على الغاية في الإرشاد والتذكير، لمن أراد مواصلة المسير.
* إشارة لطيفة لابن القيم لمن أراد صفاء قلبه من كتابه: ((الفوائد)):
قال الإمام الرِّبِّيُّ ابن قيّم الجوزية قدس اللَّه روحه: ((فمن أراد صفاء قلبه فليؤثر اللَّه على شهوته، فإن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن اللَّه بقدر تعلقها بتلك الشهوات)).
* إشارة أخرى للمؤلف في أن العمى عمى البصيرة:
قلت: فالعلم لشرفه، ورفعته لا يدخل إلا القلوب الصافية الرقيقة، فاحرص على صفاء قلبك ورقته؛ يمتلىء بالحكمة والفقه في الدين إن كنت في ذلك من الراغبين.
وليكن لك قلب تعقل به، وأذن تسمع بها، ولا عليك إن لم يكن لك عين تبصر بها؛ {. . . فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (2).
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (3).
فأين العين ههنا (؟) لا محل لها (!) إذاً اقطع علائق قلبك بالشهوات يبصر، ويرى.
وقد أحسن القائل:
القلب يدرك ما لا عين تدركه
والحسن ما استحسنته النفس لا البصر
وما العين التي تعمى إذا نظرت
بل القلوب التي يعمى بها البصر
* من آثار المعاصي حرمان العلم:
قال ابن قيم الجوزية رحمه اللَّه تعالى: ((وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب، والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا اللَّه.
فمنها: حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه اللَّه في القلب، والمعصية تطفىء ذلك النور.
ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نوراً؛ فلا تطفئه بظلمة المعصية)) (4).
وقال أبو عبداللَّه محمد بن إدريس قدس اللَّه روحه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور اللَّه لا يهدى لعاصي
* نور اللَّه والمعصية لا يجتمعان في قلب واحد:
إذاً نور اللَّه، والمعصية لا يجتمعان في قلب امرئ أبداً، فحيث كان في القلب أحدهما فلا مكان للآخر.
فإذا شكوت سوء حفظ، أو عدم فهم؛ فلعمر إلهك إنها الذنوب، فكم قطعت بطالب علم، وأثقلته وأقعدته (؟!) وكم أوقرت من أذن، وجعلت على بصر غشاوة (؟).
فالزم حماك اللَّه حمى التقوى؛ تكن في طلب العلم أقوى.
((سئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك (؟) قال: نعم، قال:كيف صنعت (؟) قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى.
وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:
خل الذنوب صغيرها
وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أر
ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى
قال ابن رجب رحمه اللَّه: وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتقي ثم يتقي، قال عون ابن عبد اللَّه: تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم يعلم منها إلى ما علم منها)) (5).
قال الشاعر:
وبالتقى تغنم الإصلاح في عمل
وتستفيد به علماً بلا سهر
ونفع ذلك لا يحصى له عدد
ونص ذلك في آي الكتاب قُري
يتبع إن شاء الله
•———————————•
(1) سورة البقرة الآية: (282).
(2) سورة الحج الآية: (46).
قال بشار بن برد الشُعبي
عميت جنيناً والذكاء من العمى
فجئت عجيب الظن، للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للعلم رافداً
لقلب إذا ما ضيع الناس حصَّلا
قلت: مما من شكٍّ أن بشار بن برد ـ أعمى البصيرة ـ مخطىء في نسبة الذكاء إلى العمى فليس الذكاء كما يقول من العمى، فقد عمي جنيناً وأعمى الله بصيرته كبيراً فجمع الله له بين الاثنين عياذاً بالله رب العالمين فقد كان شعوبياً إبليسيّاً يؤثر عبادة النار على الواحد القهار ويفضل إبليس على آدم عليه السلام، وقد نص الله في كتابه أنه لا يلزم من عمى العين عمي البصيرة وقد يجتمعان كما هو حال بشار وحينئذ ليس لمن هذا حاله عند الله إلا النار عياذاً به تعالى.
(3) سورة ق الآية: (37).
(4) ابن قيم الجوزية (الداء و الدواء) (فصل آثار المعاصي).
(5) ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم) (1/ 402) تحقيق شعيب الأرناؤوط، و إبراهيم باجس.
ضبح العاديات -وكتب أبو عبيد العمروني
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[11 – Jan-2008, مساء 07:43]ـ
الإحسان
ثانياً: الإحسان: لقوله تعالى: {. . . وَكَذَلِكِ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (1)، وذلك بعد ما أخبر سبحانه عن يوسف وموسى عليهما السلام، وما آتاهما من العلم، وأصبغ عليهما من الفضل.
والإحسان كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ومسلم ابن الحجاج، وأصحاب السنن: ((أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) (2).
وليس المراد، ولا المقصود بالعبادة ههنا ما قد علمت، وعملت فحسب، بل العبادة: ((اسم جامع لكل ما يحبه اللَّه ويرضاه من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة)) (3).
واقرأ إن شئت قوله تعالى: {. . . وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (4)، فهذا من العبادة؛ أي: مما يحبه اللَّه ويرضاه.
قال ابن رجب رحمه اللَّه تعالى: ((قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تفسير الإحسان: ((أن تعبد اللَّه كأنك تراه. . . إلخ)) يشير إلى أن العبد يعبد اللَّه على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية، والخوف، والهيبة، والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة: ((أن تخشى اللَّه كأنك تراه)).
ويوجب أيضاً النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها)) (5).
قلت (أبو عبيد العمروني): والخشية ثمرة من ثمار المعرفة والعلم باللَّه الذي أثنى الله على أهله بقوله: {. . . إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. . .} (6)، فالخشية رأس الإحسان، وليست لأحد كما ينبغي إلا لمن قدر اللَّه حق قدره، ومن جاء بها فقد جاز القنطرة في العلم، والعبادة معاً.
فالعلم باللَّه وما هو عليه من كبرياء، وعظمة، وجبروت؛ يثمر الخشية، ويولد الخوف، وذلك مدعاة إلى الإحسان في القول، والعمل.
فعلى هذا الإحسان من روافد العلم، كما التقوى، وبالعلم يستزاد من الاثنين معاً، فلا بد لنيلهما من العلم، ولا طريق إلى العلم إلا بهما.
فتعرَّف على اللَّه تكن من المحسنين، وأحسن تكن من العارفين.
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه اللَّه: ((إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته)) (7).
وبالجملة فقد اشتمل الإحسان من المعاني على كل جميل، ضمنه اللَّه قوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (8).
فالأسوة الحسنة التي لنا في رسول الله هي مقام الإحسان الذي أنزله الله إياه في جميع العبادات؛ فليس فوق الإحسان إمكان ونبينا صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كما قد عُلم أكمل الخلق في جميع مقامات العبودية، وقد كان خلقه القرآن كما أخبرت بذلك أمنا عائشة رضي اللَّه عنها والقرآن يهدي للتي هي أقوم وقد كان صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: ((يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق)).
•———————————•
(1) سورة يوسف الآية: (22)، والقصص الآية: (14).
(2) البخاري (كتاب الإيمان) (باب سؤال جبريل النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وعلم الساعة)، ومسلم (كتاب الإيمان) (باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان) (حديث رقم / 1)، وأبو داود (كتاب السنة) (باب في القدر) (حديث رقم/ 4695)، والترمذي (أبواب الإيمان) (باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم الإيمان والإسلام) (حديث رقم/ 2610) والنسائي (كتاب الإيمان وشرائعه) (باب نعت الإسلام) (حديث رقم / 4993)، وابن ماجه (كتاب السنة) (باب في الإيمان) (حديث رقم/ 63).
(3) ابن تيمية (رسالة العبودية) (مجموع الفتاوى) (10/ 149).
(4) سورة آل عمران الآية: (143).
(5) ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم) (1/ 126) تحقيق شعيب الأرناؤوط، و إبراهيم باجس.
(6) سورة فاطر الآية: (28).
(7) مسلم (كتاب الصيد والذبائح) (باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة) (حديث رقم 1955)، وأبو داود (كتاب الضحايا) (باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة) (حديث رقم 2814)، والنسائي (كتاب الضحايا) (باب حسن الذبح) (حديث رقم 4417، 4418، 4419)، وابن ماجه (أبواب الذبائح) (باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) (حديث رقم 3170).
(8) سورة الأحزاب الآية: (21).
ضبح العاديات
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[13 – Jan-2008, صباحاً 06:10]ـ
المحب الكبير .. آمين
الدعاء
ثالثاً: الدعاء: لقوله تعالى: {. . . وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (1).
وقوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرِّياتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (2).
وقد كان من دعائه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع)) (3).
وهذا الإمام الجليل ابن تيمية رحمه اللَّه يقول عن نفسه: ((ربما طالعت على الآية الواحدة مائة تفسير))؛ ثم يسأل اللّه قائلاً: ((يا معلم آدم وإبراهيم علمني))، وينطلق إلى المساجد المهجورة حيث لا يراه أحد، يمرغ وجهه في التراب افتقاراً، وانكساراً للَّه سائلاً الفهم، قائلاً: ((يامعلم إبراهيم علمني))؛ فيفتح الله عليه ويهديه لما اختلف فيه، وبذلك بَزَّ الأقران، وساد في الإسلام؛ وأعلى اللَّه كعبه، ورسخ في العلم قدمه.
إنه الدعاء. . فهل عجزت عنه؛ فإن أعجز الخلق من عجز أن يدعو.
قال الشافعي رحمه اللَّه تعالى:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء
فعليك بالدعاء فإنه سهام الليل التي لا تخطي وكن موقناً من الإجابة ترى من ربك كل خير تتمناه، وترجوه، أما قرأت قوله تعالى: {. . . فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. . .} (4) (؟!).
فما ظنك بالقريب المجيب الذي يدعو عباده إلى دعائه بقوله: {. . . أدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (5) (!).
بل ويتوعد أولئك الذين يستكبرون عن دعائه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (5).
فأي كرم أعظم من هذا (!) وأي رحمة أوسع من هذه، أن تقاد إلى الخير قوداً؛ وتوعد بالعذاب إن رغبت عنه (!).
فسل ربك العلم: ((. . . . . . . . . وأخلص في السؤال إذا سألتا)).
وأدمن قرع الأبواب ـ ولا تقل: ((طرقت الباب حتى كَلَّ متني)) ـ تتيسر لك الأسباب.
قال محمد بن بشير:
لا تيأسن وإن طالت مطالبة
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وقال الألبيري:
ولازم بابه قرعاً عساه
سيفتح بابه لك إن قرعتا
•———————————•
(1) سورة طه الآية: (114).
(2) سورة الفرقان الآية: (74).
(3) أخرجه ابن حبان، وصححه (باب الاعتصام بالسنة) (ذكر ما يجب على المرء أن يسأل الله جلا وعلا العلم النافع)، والنسائي في (السنن الكبرى) (كتاب الاستعاذة) (الاستعاذة من علم لا ينفع) والهيثمي في (المجمع) (كتاب الأدعية) (باب الأدعية المأثورة عن رسول الله) من طريق عائشة وقال: (رجاله ثقات) ومن طريق جابر، وقال: (إسناده حسن).
(4) سورة البقرة الآية: (186).
(5) سورة غافر الآية: (60).
ضبح العاديات
[هشام الهاشمي]•———————————•[17 – Jan-2008, صباحاً 05:44]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عذرا هناك خطأ في المقالة الأولى: التقوى
((. . . . . . . ووجود المعاصي محابة. . . . .))
الخطأ: محابة.
الصواب: محاباة.
بارك الله فيك
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[20 – Jan-2008, مساء 02:25]ـ
الاجتهاد في الطلب مع الإخلاص فيه
رابعاً: الاجتهاد في الطلب مع الإخلاص فيه: لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1).
قلت (ابوعبيد): قوله: {جَاهَدُواْ}؛ دل على تحتم المجاهدة دون معالي الأمور، فإنها لا تدرك براحة الجسم، بل ببذل الجهد والكد في الطلب تكتسب، قال تعالى عن موسى في طلبه الخضر رجاء أن يتعلم منه: {لَقَدْ لَقِيْنَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} (2).
وهو الذي لو شاء الله أن يطلعه على الغيب لفعل، ولكفاه عناء السفر.
قال الشافعي رحمه اللَّه:
بقدر الكد تكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً
يخوض البحر من طلب اللآلي
ومن رام العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحال
وقوله: {فِيْنَا}؛ دل على تحري الإخلاص، والنصح في المجاهدة، فإذا اجتمع الإخلاص مع المجاهدة؛ كانت الثمرة: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
ثم اعلم؛ حاطك اللَّه أن الاجتهاد في الطلب يستدعي ويتطلب أمرين اثنين، وسببين عظيمين هما: الصبر واليقين، فلا مجاهدة لمن لا صبر ولا يقين له، ومنزلة الصبر واليقين من المجاهدة؛ كمنزلة الرأس من الجسد، وكلما كمل الصبر، وقوي اليقين؛ كلما كانت المجاهدة أعظم.
•———————————•
(1) سورة العنكبوت الآية: (69).
(2) سورة الكهف الآية: (62).
ضبح العاديات
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[24 – Jan-2008, صباحاً 04:47]ـ
الصبر واليقين
خامساً: الصبر واليقين: لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ} (1).
قال أهل العلم في تفسيرها: ((بالصبر واليقين؛ تنال الإمامة في الدين)).
والصبر: ((حبس النفس على ما تكره)).
واليقين: ((استقرار الإيمان في القلب)) (2)؛ حتى يطمئن به، فكأنك ترى الأمر رأي عين، شاهده قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى. . .} (3).
وقوله: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا. . .} (4).
وقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (5).
((يقال في اللغة: يقن الماء في الحفرة، أي استقر)) (2).
واجعل نصب عينيك قول القائل:
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا
وقل دائماً وردد:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فلن تنال ما تتمن إلا على جسر من التعب.
قال الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
وكما قد قيل: ((بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى)).
إنه الصعود إلى المعالي فليس بالشيء الهين اليسير، إنه المجد، والرفعة؛ بضاعة غلا ثمنها، وعز طلابها، ولكنها نعم البضاعة.
واعلم؛ حاطك اللَّه أن للعلم لذةً، و ((حلاوة ستغيب عنك مرارة الصبر))، وتنسيك ((رعيك في الدُّجَى روض السُّهَاد))، وأن للنجاح والظفر عرشاً لا يجلس عليه إلا الصُّبْر من الرجال.
فلن يتأتى لك ما تريد إلا بعزم من حديد، فعليك بالجد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، ومخادعة النفس لشرف ونفاسة ما تطلب، فقد قطعت دون ذلك أعناق كثير من الرجال؛ وما أدركوا منه شيئاً، فشمر تشمير من لا يألو جهداً، ولا يضيع وقتاً. . فالتعب حاصل ولا بد؛ فكن كبير النفس، عالي الهمة، يقظ القريحة، عميق الفكرة، نافذ البصيرة، حسن التفاؤل.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
•———————————•
(1) سورة السجدة الآية: (24).
(2) الحكيم الترمذي (نوادر الأصول) (1/ 187) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.
(3) سورة البقرة الآية: (260).
(4) سورة المائدة الآية: (112).
(5) سورة الأنعام الآية: (75).
ضبح العاديات
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[28 – Jan-2008, صباحاً 04:25]ـ
التفرغ للطلب
التفرغ للطلب، واغتنام أوقات الشباب
سادساً: التفرغ للطلب، واغتنام أوقات الشباب: وذلك قبل أن تطرق بنكدها، ودواهيها أم طبق؛ (!) فتنتهي قبل أن تبدأ، وتنقطع قبل أن تصل.
فالفرار، الفرار من الملاهي والأشغال؛ فإن العلم لا يتأتى لمن تشتت همه، وكثر غمه، وشُغل فكره. . فأرح الخاطر من الخواطر؛ فإنها له فواقر (!).
وللَّه در الشافعي إذ يقول:
لا يدرك الحكمة من عمره
يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتىً
خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي
سارت به الركبان بالفضل
بُلِي بفقر وعيال لما
فرق بين التبن والبقل (1)
وقد كان السلف يحبذون أوقات الشباب للطلب، فإنها ربيع العمر، إذا صوح نبته قبل جني ثمرته، وقطفها؛ فليكبر على صاحبه أربعاً لوفاته.
قال الشافعي:
ومن فاته التعليم وقت شبابه
فكبر عليه أربعاً لوفاته
ذلك أن العلم هو الحياة، فمن سعادة المرء، وجده أن يوفقه اللَّه في هذه المرحلة وما قبلها من سني عمره لطلب العلم.
* المبادرة إلى التحصيل وقطع العلائق:
قال ابن جماعة الكناني رحمه اللَّه: ((على طالب العلم أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف، والتأميل، فإن كل ساعة تمضي من عمره؛ لا بدل لها، ولا عوض عنها، ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة عن تمام الطلب، وبذل الاجتهاد، وقوة الجد في التحصيل؛ فإنها كقواطع الطريق)) (2).
فيا أخا الشباب؛ اغتنم هذه العطية، والمنحة الربانية، في تحصيل العلوم الشرعية؛ تكن عند ربك مرضياً؛ قبل أن ينفرط عقد شبابك، ويختل نظامك.
* نصيحة حفصة بنت سيرين لمعشر الشباب:
عن هشام بن حسان قال كانت حفصة تقول لنا: ((يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب)) (3).
قلت: إن لم تأخذ من نفسك وقت شبابك؛ فلن تجد في شيخوختك ما تأخذه سوى الحسرة، والندامة، وعض الأنامل، وقرع السن؛ هذا إن وجدت سناً تقرعها (!).
•———————————•
(1) قلت: قول الإمام الشافعي في البيت الأخير في حق لقمان جانب فيه الصواب، فقد كان لقمانُ عبداً حبشياً نجاراً، وهل من فقر فوق أن يكون الإنسان عبداً مملوكاً (؟!) وهل خفي على الشافعي قوله تعالى عن لقمان: {وإذ قال لقمان لابنه. . .} فقد كان لقمان فقيراً ذا عيال ومع ذلك فرق بين التبن والبقل، بل وآتاه الله ما لم يؤت كثيراً من العالمين ففرق بين الحق والباطل، والطيب والخبيث، حتى صارت الحكمة عَلَماً عليه، فرحم الله الشافعي.
(2) ابن جماعة الكناني (تذكرة السامع والمتكلم) (الباب الثالث في آداب المتعلم) (النوع الثالث) (ص 73) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
ملاحظة: لم يكن النقل لجميع نصوص ابن جماعة في كتابي هذا عن هذه الطبعة التي أعزو إليها الآن، ولكن لما ضاعت تلك وتوفرت هذه عزوت إليها؛ ولذلك قد يلحظ القارئ زيادة: ((على طالب العلم. . .))، في أول النص، وليست هي هنا في هذه الطبعة.
(3) ابن الجوزي (صفة الصفوة / 4/ 21) بضبط وحاشية إبراهيم رمضان وسعيد اللحام.
ـ[أسماء]•———————————•[28 – Jan-2008, مساء 06:38]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي الكريم وجزاك كل خير
موضوع غاية في رائعة
وفقك الله ورعاك ونفع بك، ورفع قدرك ولا حرمك الأجروالثواب
وجعلها في ميزان حسناتك
وابعد عنك البلاء
وجعلك في الفردوس الاعلى
((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لا ينفع)) …. آمين يا رب العالمين
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[10 – Feb-2008, مساء 02:36]ـ
أسماء .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفيكم بارك ووقاكم ربي حر السموم
ترك الشبع
سابعاً: ترك الشبع: فإنه طريق إلى البطنة، وقد قيل: ((البطنة تذهب الفطنة)).
قال الأعشى الكبير ميمون بن قيس:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . والبطنة يوماً قد تأفن الأحلاما
والبطنة: كما قال ابن منظور: ((امتلاء البطن من الطعام)).
وقيل: ((الشره وإدخال الطعام على الطعام))، وتأفن: تفسد، والأحلام: العقول.
وقد هنا للتحقيق؛ أي: افسادها للعقول متحقق، فلا فطنة مع بطنة.
قال النضر بن شميل رحمه اللَّه: ((لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه)).
قلت (الكاتب): لعله قصد رحمه اللَّه شدة العناية، والرعاية للعلم، إلى درجة مدافعة الجوع، مع ما فيه من مصادمة الفطرة؛ فإن الجوع الذي يقلق الحشا، ويذهب عن الذهن الصفا ليس بمحمود شرعاً، فلو كان كذلك لما ربط نبينا صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم على بطنه الحجر دفعاً له، ولما استعاذ منه في دعائه بقوله: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع)) (1).
وكما استعاذ صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم من الجوع، فقد استعاذ من النفس التي لا تشبع، فالخير بين ذين، وليختر امرؤ لنفسه ما اختاره العقلاء، فقد اختاروا الاعتدال؛ فإنه حسنة بين سيئتين قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (2).
وهو هدي النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم عن مقدام بن معد يكرب قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)) (3).
* من أعظم الأسباب المعينة على الفهم عند ابن جماعة:
قال ابن جماعة: ((من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال، والفهم، وعدم الملال، أكل القدر اليسير من الحلال، قال الشافعي رضي الله عنه: ما شبعت منذ ست عشرة سنة (4).
وسبب ذلك أن كثرة الأكل؛ جالبة لكثرة الشرب، وكثرته جالبة للنوم، والبلادة، وقصور الذهن، وفتور الحواس، وكسل الجسم. . .)) (5).
وقال أيضاً: ((. . . والذهن الصحيح أشرف من تبديده، وتعطيله، بالقدر الحقير من طعام، يؤول أمره إلى ما قد علم. . .، ومن رام الفلاح في العلم، وتحصيل البغية منه، مع كثرة الأكل، والشرب، والنوم؛ فقد رام مستحيلاً في العادة)) (6).اهـ
قلت: وهكذا يخسر الطالب أسمى المطالب، ولا يعني هذا أن تمنع نفسك حقها من الطعام؛ بل إن لنفسك عليك حقاً، فالمطلوب الاعتدال في غير سرف ولا تقتير، فلا بطنة تأفن العقل، ولا جوع يقلق الذهن، والحشا، وخير الأمور أوسطها.
قال الشاعر:
واخش الدسائس من جوع ومن شبع
وبالتوسط في الأمرين فالتزم
واقنع بأيسر زاد أنت نائله
فرب مخمصة شر من التخم
وقال الإمام الأديب الشاعر القحطاني رحمه اللَّه في نونيته السلفية:
لا تحشُ بطنك بالطعام تسمناً
فجسوم أهل العلم غير سمان
لا تتبع شهوات نفسك مسرفاً
فاللَّه يبغض عابداً شهواني
أقلل طعامك ما استطعت فإنه
نفع الجسوم وصحة الأبدان
واملك هواك بضبط بطنك إنه
شر الرجال العاجز البطنان
ومن استذل لفرجه ولبطنه
فهما له مع ذا الهوى بطنان
وقال سحنون: ((لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع)).
•———————————•
(1) رواه أبو داود (كتاب الوتر) (باب في الاستعاذة، حديث رقم 1547)، والنسائي (كتاب الاستعاذة) (الاستعاذة من الجوع، حديث رقم 5470، والاستعاذة من الخيانة، حديث رقم 5471)، وابن ماجه (كتاب الأطعمة) (باب التعوذ من الجوع، حديث رقم 3354)، وابن حبان (كتاب الاستعاذة) (ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الجوع والخيانة، حديث رقم 1005)، والنووي (الأذكار، رقم 1187) وصحح إسناده.
(2) سورة الفرقان الآية: (67).
(3) رواه الترمذي (كتاب الزهد) (باب ماجاء في كراهية كثرة الأكل حديث رقم 2380)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، وأحمد في (المسند) من حديث المقدام بن معد يكرب.
(4) تمام نص الشافعي كما حدث بذلك الربيع بن سليمان: ((ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة)).
(5) ابن جماعة الكناني (تذكرة السامع والمتكلم، الباب الثالث في آداب المتعلم، النوع السادس) (ص 76، 77) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
(6) المصدر السابق: (ص 77).
ـ[حمدان الجزائري]•———————————•[10 – Feb-2008, مساء 11:07]ـ
بارك الله فيك يا بونوره
خاصية استقبال البريد في بريدك مغلقه؟؟
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[01 – Apr-2008, صباحاً 08:36]ـ
بارك الله فيك يا بونوره
خاصية استقبال البريد في بريدك مغلقه؟؟
وفيك بارك يا عزيزي حمدان
عذرا .. لقد تم فتح البريد
ـ[هشام الهاشمي]•———————————•[09 – Apr-2008, مساء 09:11]ـ
الرحلة في الطلب
الرحلة في الطلب لتلقي العلم عن أهله
ثامناً: الرحلة في الطلب لتلقي العلم عن أهله: لقوله تعالى: {. . فَلّولاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ. .} (1).
وقوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً. . .)) (2).
قال أبو حيان:
إذا رمت العلوم بغير شيخ
ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى
تصير أضل من توما الحكيم
فأقوم سبيل جرت به سنة الأولين هو تلقي العلم عن أهله مشافهة، ومزاحمة العلماء بالركب (3)، فليس ثم من يوحى بعد النبي إليه، ولم تعد الملائكة تتنزل على أحد بعد الرسل.
وقد قيل: ((من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده)).
وهذا موسى كليم اللَّه عليه السلام والذي اصطفاه اللَّه على الناس برسالاته؛ يرحل في طلب العلم، ويضرب في الأرض يبتغي الخضر ليتعلم على يديه، وقد لقي من المشقة، والنصب دون ذلك الأمر ما لقي؛ حتى قال: {لَقَدْ لَقِيْنَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} (4).
حتى إذا أدرك بغيته قال: {. . . هَلْ اتَّبعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَداً} (5).
فلا يتأتى للمبتدئ الذي لم يؤسس نفسه بعد، ولم يستكمل الآلات الشرعية، ومازال في مهد العلم صبياً؛ الفهم عن اللَّه ورسوله؛ ما لم يتلق العلم عن أهله مشافهة، ولا مناص (!) فمن سلك سبيلاً غير هذه في الطلب، والتحصيل، ورام خلاف ذلك؛ فقد أبعد النجعة وضيع أيامه.
وهذا الذي ذكرته ههنا عبر عنه الإمام الشافعي بقوله: ((وصحبة أستاذ)) وإن كنت أقول: إن الشيخ أو الأستاذ؛ لن يشق رأسك بالمنشار، أو قلبك بالحديد؛ ليملأه علماً وحكمة (!). . هيهات. . أن يكون هذا إذا ما كنت بليد الطبع، أغلف القلب؛ وإنما يبصرك الطريق، ويجعل حبلك بالعلم وثيقاً.
فعليك أن تتقن على أيدي الأشياخ الأصول؛ لئلا تحرم الوصول، وتخسر المنقول.
وهذا هو الأصل في التلقي والطلب، فإذا أتقنتها، وأجدت الصنعة، وأحكمت آلتك عليهم، وتخرجت بهم؛ فلك بعد ذلك أن تطالع الكتب، وتنهل من معينها؛ فإن الانكباب على المطالعة، وإدامة النظر في الكتب؛ هو المدرسة الثانية ـ بعد الأستاذين ـ التي يتخرج منها الطالب المُجِدُّ عالماً نحريراً، ومعلماً قديراً.
•———————————•
(1) سورة التوبة الآية: (122).
(2) الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان عن أبي الدرداء بلفظ: ((يطلب)) بدل ((يلتمس))، وصححه ابن حبان.
(3) لحديث جبريل الطويل؛ الذي رواه عمر رضي الله عنه، قال: ((. . . حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه. . .)).
(4) قلت: من ضلالات معروف الرصافي التي لا يحيط بها إلا الله علما أنه عندما أراد مدح المتنبي لم يجد أحداً ينتقصه ليرفع أبا الطيب؛ غير نبي الله موسى عليه السلام فقال في قصيدة تحمل اسم المتنبي يمدحه فيها:
لو حاز موسى مضاء عزمته
ما تاه في التيه عندما دخله
وهذه الكلمة منه هي به كفر ـ عياذاً بالله ـ فموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فكيف يرفع فوقه شاعراً يتبعه الغاوون (؟!) فهذ ا استخفاف وتعريض برسول كريم كليم. . وهل يطيق المتنبي ما أطاق موسى عليه السلام (؟!) وأيم الله إن العزم الذي آتاه الله موسى ما حاز منه المتنبي مثقال ذرة؛ فأين الثرى من الثريا (؟!) وقد كان معروف بالدعوة إلى التبرج والسفور معروفاً.
(5) سورة الكهف الآية: (66)
ضبح العاديات